الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008

المراد من معاني كلمة الماء التي تردفي القرآن الكريم.

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(125 النحل)، وكذلك قوله الكريم (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)(29 الكهف).
* [وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ](28 القمر
).
وبعدما علمنا أن الكلام في الآيات المباركة السابقة وحسب تسلسلها كان عن الأيمان والأيقان والخشوع والخضوع، إذن لابد أنه لا يخرج عن هذا السياق والنطاق الديني. وقد سبق وذكرنا أن من معاني كلمة (الْمَاءَ) التي ترد في آيات الذكر الحكيم بالاضافة الى معناها العام الشائع، هي ماء الآيات الإلهية وزلال السـور الزكية وفرات الرحمة الربانية التي تهبط مع نزول كل شريعة سماوية من سماء فضل الله لتسقي أشجار أرواح العباد حتى تثمر بفواكه الأعمال الصالحة. فمثلما يروي هذا الماء المادي كل ما هو حيّ من مخلوقات أرضية، حسب قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)(30 الأنبياء)، كذلك هو الماء الرباني يسقي أرواح وعقول وقلوب كل من يقبل الى الله ويؤمن بأديانه المقدسة ليظهر من تراب أرض قلوبهم وعقولهم أزهار الحكمة وأثمار العلوم والمعارف، كما قال تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)(11 الأنفال)، فماء الأمطار لا يطهّر الناس ولا يذهب عنهم رجز الشيطان ولا يربط القلوب ولا يثبت الأقدام. بل هي مياه الأيمان ومياه الأديان وزلال رحمة رب العالمين وفرات النعم والبركات الإلهية، فهي التي تطهر الناس وتذهب عنهم رجز الشيطان وتربط قلوب المؤمنين وتثبت أقدامهم على صراط الله المستقيم. وبهذا فالآية الكريمة لا تتكلم عن هـذا المـاء الجاري فقط، بل تتكلم أيضاً عن زلال ماء الآيات وفرات الأيمان. فيكون من معاني الآية:ـ
أخبرهم يا صالح(ع) أن ماء الغيث الإلهي يُقسَّم بين أمم أصحاب الكتاب بنسب ومقادير متفاوتة محددة، كل أمة لها مقدار معين من ماء شريعتها، يبدأ في لحظة محددة وينتهي في يوم من الأيام. وحالما يحين موعد جفافه واحتضاره ينزل ماء شريعة سماوية جديدة على البشر، كما قال تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (34 الأعراف). فمهما حاولتم يا قوم ثمود، التشبث بماء دينكم وحافظتم عليه وزدتم في تعبدكم وغاليتم في أداء فروضه وواجباته، فلابد أن يأتي اليوم الذي تنسخ فيه شريعتكم وينتهي مفعولها ويجف ماء أيمانها فلا تستطيعون له وصولا.
* [فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ](29 القمر).

هذه الآية الكـريمة تشير الى صلب الموضوع وبيت القصيد والى أهم أسباب اعتراض الناس على رسلهم الكرام، وتفصح عن حقيقة مصدر مهم من مصادر الاعتراض والعناد والصد والنكران ومحاربة الله ورسله الكرام.
فكل أمة تلتجئ في ملماتها وخطبها الى رجال دينها وكبار أحبارها لتسألهم عن أمور دينها ودنياها إذا ما استعصى عليها أمرا من أمورها الروحية أو الاجتماعية، خاصة في قديم الزمان. ومن أهم المعضلات التي واجهت عباد الله، كانت مشكلة التمييز بين رجل الدين المؤمن الموقن داعي الحق الحقيقي، وبين مدّعي الدين المزيف القشري وساحر العقول. لذا كانوا بمجرد سماعهم بنبأ ظهور دين جديد وشمس رسول جديد أو نبيّ من الأنبياء، يهرع الأتباع والمريدون الى أولياء أمور دينهم طالبين المشورة والهداية باعتبارهم أصحاب الاختصاص في هذا المجال. وهنا يكون الخطأ الجلل والداهية الدهماء. فإذا كانت الشريعة ما زالت حيّة فاعلة، يكون الناس كمن يطلبون الهداية والاستنارة من
أنوار نجوم الهدى وكواكب التقوى، كما قال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(73 الأنبياء). أما إذا كانت شريعتهم قد ماتت بنزول شريعة جديدة وهم غافلين عن ذلك، فيظن رجال الدين المفسدون، أنهم باقون على عهدهم، ومازالوا كما كانوا مصلحون. لكنه سبحانه وتعالى يوضح هذه النقطة الخطيرة ويبيّن لعبـاده كيف ينقلب شـأن هؤلاء من نور نهار الى ظلمة ليل، ومن هدي مبارك الى ضلالة مغضوب عليها، وكيف يستطيع العباد التمييز بين فريقي المصلحين والمفسدين، كما قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(11 البقرة)، لأن أتباعهم يكونون كمن يطلب الهداية ممن لا هداية له وعاجز عن مساعدة غيره، كما قال تعالى (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا)(3 الفرقان)، وكما قال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ)(41 القصص).
ومع كل هذه المعضلات وهذه الفتن والامتحانات، قد يتساءل البعض: كيف يمكن للانسان البسيط أن يميز مكانه ودوره وطريقه ويعرف الحق من الباطل وينجو من نار غضب الله ويدخل جنة رحمته ونعيمه؟
لم يترك الله عباده لأنفسهم يحتارون في مثل هذه الأمور الخطيرة، إذا ما حان أجلها وأزف موعدها، فلقد ترك علامات واضحة وآثاراً مكشوفة لخلقه لمعرفة وتمييز مثل هذه الأزمان عند استعمال عقولهم والابتعاد عن التقليد الأعمى، كما قال تعالى
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(117 هود)، ففي هذه الآية الكريمة، قانون إلهي عام يوضح ويكشف لجميع الخلق مهما تباينت درجات ذكائهم ومستويات عقولهم، أن بإمكانهم تمييز هذه العلامات الفارقة. فالآية الكريمة تعلن أن شرط الهلاك وبداية زمن النهاية، هو انقلاب أحوالهم وتفشي السيئات وانتشار الشرور بينهم، وعجز رجال الدين المصلحون على أداء أدوارهم الروحانية، كما أيد ذلك قوله تعالى (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(15 الإسراء)، فمن ثمارهم تعرفونهم، فلا تطرح شجرة الشوك أو الحسك تيناً أو عنباً.
لذلك فالآية الكريمة تقول أن قوم ثمود بعدما سمعوا بظهور شريعة صالح(ع) الجديدة بينهم، توجهوا الى كبير رجال دينهم الذي يصفه سبحانه وتعالى (بأشقاهم) ليسألونه عن حقيقة الأمر، وبما أنه كان في جوهره رجلاً غافلاً عن بشارات كتابه وجاهلا بجواهر أسراره، فقد تبينت قشرية علومه وسطحية مفاهيمه حالما أفتى بكذب دعوة النبي صالح(ع) وحكم ببطلان معتقدها وقيامه على تحذير الناس من مغبة الايمان بها، فهي حسب ظنه دعوة باطلة وطريق ضلالة وكفر، ونصحهم بعدم ترك دين آبائهم وأجدادهم الذي أجمعت الأمة على أحقيته وقدسيته وضرورة التشبث به
.
* [فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ](30 القمر).
ويبدو أنه كان هناك صدى واسعاً لنصائح (أشقاها) بين قومه، فلقد تبعه غالبية مريديه وصدّقوا أقواله، لأن هذه الآية الكريمة تفصح ان عذاب الله قد نزل بقوم ثمود بعدما تبعوا (أشقاها) وكذبوا نبيّهم صالح(ع)، وبهـذا تكون أمتهم قد أجمعت على الخطأ والباطل، واتفقوا على الكفر والضلالة، وبالتالي كان ويكون هذا التصرف مغناطيس غضب الله ونقمته.
* [إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ](31 القمر).
فلقد كانت لحظة نطق صالح(ع) بعبارة: أني رسول من عند الله. هي لحظة البدء بنزول العذاب الإلهي وهي لحظة الاعلان عن انتهاء عمر شريعة قوم ثمود السابقة ونسخها، وهي الشرارة الروحانية التي تحولت فيما بعد الى نار مستعرة أكلت وجودهم. ومنذ تلك اللحظة، لم يتبق من عقيدتهم ولا من دينهم، ما ينفع الناس في حياتهم أو يصلح لبناء بيوت أيمانهم وقلاع تقواهم، فلقد دخلوا أول فترة الموت والاحتضار، وما هي إلا مدة محدودة مهما امتدت وطالت، حتى انتهى أمرهم وزال ذكرهم ومحيت عقيدتهم وحضارتهم وآلت الى فناء

علامات رجوع السيد المسيح.

علامات رجوع السيد المسيح
يمنح حضرة بهاءالله(المظهر الإلهى للدين البهائى) عباد الله النعم المكنونة في السدرة المخزونة، حبا لوجه الله حتى لا تحرم الهياكل الفانية من الأثمار الباقية، عساهم يفوزون برشح من أنهار حضرة ذي الجلال، المقدسة عن الزوال، والتي جرت في دار السلام (بغداد)...
وهذه نغمات عيسى بن مريم التي تغنى بها في رضوان الإنجيل بلحن جليل، في وصف علائم الظهور الآتي بعده، المذكور في السفر الأول المنسوب إلى متّى، عندما سألوه عن علامات الظهور الآتي بعده فأجاب بقوله "وللوقت من بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والكواكب تتساقط من السماء، وقوات الأرض ترتج، حينئذ يظهر علامات ابن الإنسان في السماء، وينوح كل قبائل الأرض ويرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء مع قوات ومجد كبير، ويرسل ملائكته مع صوت السافور العظيم(إنجيل متى، إصحاح 24، الآيات 29-31)...
إن علماء الإنجيل لما لم يعرفوا معاني هذه البيانات، ولا المقصود منها، المودع في تلك الكلمات وتمسكوا بظاهرها، لهذا صاروا ممنوعين من شريعة الفيض المحمدي، وسحابة الفضل الأحمدي، وجهال تلك الطائفة، الذين تمسكوا بعلمائهم أيضا، ظلوا محرومين من زيارة جمال سلطان الجلال، لأن في ظهور الشمس الأحمدية، لم تظهر هذه العلامات المذكورة
."(
كتاب الإيقان-ص18-21)

تفسير العبارات الرمزية

وبشيء من التفصيل يشرح حضرة بهاءالله معاني هذه الكلمات بقوله:
"... أن المقصود من الضيق هو ضيق عن استيعاب المعارف الإلهية، وعجز عن إدراك الكلمات الربانية حيث أن العباد بعد غروب الشمس، واختفاء مراياها عن الأبصار، يقعون في ضيق وشدة، ولا يعرفون إلى من يتوجهون... كما
نشاهد اليوم، أن زمام كل طائفة في يد جاهل، يحركهم كيفما أراد، ولم يبق بينهم من المعبود إلا اسمه، ولا من المقصود إلا لفظه... ومع أنهم يعتقدون أن حكم الله واحد، فإنه يصدر منهم من كل ناحية حكم، ويظهر من كل محل أمر. فلا يشاهد بينهم نفسان متفقان على حكم واحد. إذ لا يعرفون إلها غير الهوى. ولا يسلكون سبيلا إلا الخطأ... يحافظون على هذه المراتب بتمام القوة والقدرة، حتى لا يجد النقص سبيلا إلى شوكتهم، ولا يتطرق الخلل إلى عزتهم، وإذا ما تنورت عين بكحل المعارف الإلهية، فإنها تشاهد عدة وحوش مرتمية على جيف أنفس العباد.
فالآن أي ضيق وشدة أشد من هذه المراتب المذكورة، فإنه إذا أراد شخص أن يطلب حقا، أو يلتمس معرفة، فلا يدري إلى من يذهب، وممن يطلب، لأن الآراء مختلفة للغاية، والسبل متعددة. وهذا الضيق وتلك الشدة من شرائط كل ظهور. وما لم يقع هذا ويحصل، فلا تظهر شمس الحقيقة، لأن صبح ظهور الهداية يطلع بعد ليل الضلالة..."(
كتاب الإيقان-ص24-26)

وعن المقصود من كلمتي "شمس" و "قمر" يصرح حضرة بهاءالله:

"فالمقصود من الشمس والقمر المذكورين في كلمات الأنبياء، ليس منحصرا في هذين الكوكبين المشهورين، بل إنهم قد أرادوا من الشمس والقمر معاني عديدة. وفي كل مقام منها يريدون معنى خاصا بمناسبة ذلك المقام. فمثلا: أحد معاني الشمس يطلق على شموس الحقيقة، الذين يطلعون من مشرق القِدم، ويكونون واسطة إبلاغ الفيض إلى جميع الممكنات. وهؤلاء الشموس هم المظاهر الإلهية الكلية، في عوالم صفاته وأسمائه. فكما أن الشمس الظاهرة بتقدير من المعبود الحقيقي تربي الأشياء الظاهرة، من الأثمار والأشجار والألوان والمعادن وما دون ذلك، مما هو مشهود في عالم الملك، بتأثير حرارتها، كذلك تظهر أشجار التوحيد وأثمار التفريد، وأوراق التجريد وأوراد العلم والإيقان، ورياحين الحكمة والبيان، من أثر تربية الشموس المعنوية وعنايتها... وتنبعث حرارة المحبة الإلهية في أركان العالم من هذه الشموس الإلهية ونيرانها المعنوية...
وفي الرتبة الثانية يكون المقصود من الشمس والقمر والنجوم هم علماء الظهور السابق، الذين يكونون موجودين في زمان الظهور اللاحق، وبيدهم زمام دين الناس. فإذا ما استناروا بضياء شمس أخرى أثناء ظهورها، يكونون من المقبولين والمضيئين والمتلألئين، وإلا يجري في حقهم حكم الظلمة، ولو يكونون بحسب الظاهر من الهادين. لأن جميع هذه المراتب من الكفر والإيمان، والهداية والضلالة، والسعادة والشقاوة، والنور والظلمة، منوطة بتصديق تلك الشموس المعنوية الإلهية. فكل نفس من العلماء جرى عليها في يوم التغابن والإحسان حكم الإيمان من مبدأ العرفان يصدق في حقها العلم والرضا، والنور والإيمان. وإلا يجري في حقها حكم الجهل والنفي والكفر والظلم.
ومن المشهود لدى كل ذي بصر، أنه كما ينمحي نور النجم عند إشراق الشمس الظاهرة، كذلك تنمحي وتظلم شمس العلم والحكمة والعرفان الظاهري عند طلوع شمس الحقيقة وإشراق نير المعاني...
وفي مقام آخر يكون المقصود من إطلاقات الشمس والقمر والنجوم، هو العلوم والأحكام المرتفعة في كل شريعة، مثل أحكام الصوم والصلاة
...
إذا قد ثبت وتحقق بالآيات النازلة والأخبار الواردة، إطلاق لفظ الشمس والقمر في هذه المراتب، على هذه المقامات المذكورة في الآيات النازلة والأخبار الواردة. وهذا هو المقصود من ذكر ظلمة الشمس والقمر، وسقوط النجوم، أي ضلالة العلماء، ونسخ الأحكام المرتفعة في الشريعة، التي كان مظهر ذلك الظهور يخبر عنها بهذه التلويحات...
ومن المسلم أنه في كل ظهور تال تظلم شمس العلوم والأحكام والأوامر والنواهي، التي كانت مرتفعة في الظهور السابق، والتي أظلت أهل ذلك العصر، واستناروا من شمس معارفها، واهتدوا بقمر أوامرها. أي أنه ينتهي حكمها وينعدم أثرها
."( كتاب الإيقان-ص27-33)

وحول "ظهور علامة ابن الإنسان في السماء" يؤكد حضرة بهاءالله أنها علامة تظهر في السماء الظاهرة والسماء الباطنة. فقبل مجيء كل رسول يظهر نجم في السماء مدلا على مولد رسالة جديدة. وليس هذا فحسب بل يظهر في الوجود مبشر يعلن للملأ هذه البشارة. ولنأخذ مثلا أيام حضرة موسى عندما حذر المنجمون فرعون:

"... بأن كوكبا قد طلع في السماء، وهو دليل على انعقاد نطفة على يدها يكون هلاكك أنت وقومك. وكذلك قد ظهر عالم كان يبشر بني إسرائيل في الليالي يسليهم ويطمّنهم
."( كتاب الإيقان-ص50)
وقبل ظهور السيد المسيح ذهب نفر من المجوس إلى هيرودس وقالوا: "أين هو المولود ملك اليهود؟ لأننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له"( إنجيل متّى، إصحاح 2، آية 2) فكانت تلك علامة ظهوره في السماء الظاهرة. أما يوحنا المعمدان فقد كان الكوكب الروحاني الذي بشر الناس بقرب ظهور عيسى عليه السلام. وكذا الأمر قبل مجيء الطلعة المحمدية فظهرت أيضا مثل هذه العلامات. ومما تفضل به حضرة بهاءالله بخصوص من بشروا بالرسول الكريم:

"وأما الآثار الباطنة فقد كانوا أربعة رجال واحدا بعد الآخر يبشرون الناس على الأرض بظهور شمس الهوية. وقد تشرف بشرف خدمتهم "روزبه" الذي سمي بسلمان، وكان كلما حضرت الوفاة أحدا منهم يرسل (روزبه) إلى الشخص الآخر إلى أن أتت نوبة الرابع الذي قال له في حين وفاته يا روزبه اذهب من بعد تكفيني ودفني إلى الحجاز حيث تشرق هناك الشمس المحمدية ويا بشراك بلقاء حضرته."( كتاب الإيقان-51-52)

وفي هذا الظهور، وقبل أن يعلن حضرة الباب دعوته، ظهرت هذه العلامة في الظاهر والباطن وصرح حضرة بهاءالله بقوله:
"...أخبر أكثر المنجمين عن ظهور نجم في السماء الظاهرة. كما أنه قد كان على الأرض النوران النيران أحمد وكاظم قدس الله تربتهما(الشيخ أحمد الأحسائي مؤسس المدرسة الشيخية في الإسلام وتبعه في ذلك تلميذه السيد كاظم الرشتي. وقد علما أتباعهما بأن قدوم الموعود بات قريبا جدا فهيأهم لظهوره. فكان معظم البابيين الأوائل من أتباع مذهب الشيخية
.)..."( كتاب الإيقان-ص52)

أما عن قوله: "ينوح كل قبائل الأرض، ويرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوات ومجد كبير"،( إنجيل متى، إصحاح 24، آية 30) فيتفضل حضرة بهاءالله:
"...أنه في ذلك الوقت ينوح العباد من فقدان شمس الجمال الإلهي، وقمر العلم، وأنجم الحكمة اللدنية، ويشاهد في تلك الأثناء طلعة الموعود، وجمال المعبود نازلا من السماء، وراكبا على السحاب. يعني أن ذاك الجمال الإلهي يظهر من سماوات المشيئة الربانية في هيكل بشري ولم يقصد من السماء هنا إلا جهة العلو والسمو التي هي محل ظهور تلك المشارق القدسية والمطالع القدمية. ولو أن هذه الكينونات القديمة قد ظهرت من بطون الأمهات بحسب الظاهر إلا أنهم في الحقيقة نازلون من سماوات الأمر، وإن يكونوا ساكنين على الأرض إلا أنهم متكئون على رفرف المعاني. وحيثما يمشون بين العباد فإنهم يكونون طائرين في هواء القرب. يمشون على أرض الروح بغير حركة الرجل، ويطيرون إلى معارج الأحدية بغير جناح. وفي كل نفس يطوون عالم الإبداع من مشرقه إلى مغربه، وفي كل آن يمرون على ملكوت الغيب والشهادة."( كتاب الإيقان-ص52-53)

وعن معنى الغمام يتفضل:
"...فالمراد من الغمام هنا... تغيير الأحكام وتبديل الشرائع وارتفاع القواعد والرسوم العادية وتقدم المؤمنين من العوام على المعرضين من العلماء. وكذلك يقصد به ظهور ذلك الجمال الأزلي خاضعا للحدودات البشرية، مثل الأكل والشرب، والفقر والغنا، والعزة والذلة، والنوم واليقظة، وأمثال ذلك، مما يثير الشبهة عند الناس ويحجبهم. فكل هذه الحجبات قد عبر عنها بالغمام..."( كتاب الإيقان-ص56)

ويفسر معنى "يرسل ملائكته"، بأنها تلك النفوس المقدسة التي:
"... صارت هذه الوجودات القدسية منزهة ومقدسة عن العوارض البشرية، ومتخلقة بأخلاق الروحانيين ومتصفة بأوصاف المقدسين لهذا أطلق اسم الملائكة على هذه النفوس المقدسة."( كتاب الإيقان-63)

ثم يضيف حضرة بهاءالله مؤكدا:
"... لو كانت أشراط الظهور في أي عصر، تظهر في عالم الظاهر مطابقة لما ورد في الأخبار، فمن الذي كان يستطيع الإنكار والإعراض، وكيف كان يفصل بين السعيد والشقي، والمجرم والتقي. أحكم بالإنصاف. مثلا لو تظهر بحسب الظاهر هذه العبارات المسطورة في الإنجيل. وتنزل الملائكة مع عيسى بن مريم من السماء الظاهرة على السحاب. فمن ذا الذي يقدر على التكذيب أو يستطيع الإنكار ويستكبر عن الإيمان بل إن الاضطراب يأخذ أهل الأرض قاطبة على الفور بدرجة لا يقدرون على التكلم والتفوه بحرف واحد فكيف يصل الحال إلى الرد أو القبول
..."( كتاب الإيقان-63-43

المقصود من عتاب الله لحضرات الانبياء في الكتب المقدسة.

بيان المقصود من عتاب الله
لحضرات الانبياء في الكتب المقدسة

( السؤال)

ورد في الكتب المقدسة بعض خطابات زجر وعتاب موجهة لحضرات الانبياء
فمن المخاطب بذلك ولمن وجه العتاب؟


(الجواب)
ان جميع الخطابات الالهية التي عوتب بها حضرات الانبياء انما المقصود بها اممهم ولو انها بحسب الظاهر موجهة الى حضراتهم0 وحكمة ذلك محض الشفقة والرحمة للامم حتى لا تتألم نفوسهم ولا تتكدر خواطرهم ولا يكون الخطاب ثقيلا عليهم 0لهذا كان الخطاب بحسب الظاهر موجها الى الانبياء ولكنهم في الحقيقة للامم0وفضلا عن هذا فالسلطان المقتدر المستقل في مملكته انما يمثل شعبه ورعيته 0يعني قوله قول الكل0ومعاهدة يبرمها هي عهد الكل0لان ارادة شعبه ورعيته فانيه في ارادته ومشيئته 0كذلك كل نبي انما يمثل امته وملته 0لهذا فعهد الله وخطابه مع النبي هو عهد وخطاب مع كل الامة 0والغالب ان خطاب الزجر والعتاب يثقل على النفوس ويسبب انكسار القلوب0

لهذا اقتضت الحكمة البالغة توجيه الخطاب في الظاهر لحضرات الانبياء كما ورد في التوراة0 ان بني اسرائيل عصوا وقالوا لحضرة موسى نحن لا نقدر ان نحارب العمالقة لانهم اقوياء اشداء شجعان 0فعاتب الله موسى وهارون مع ان حضرة موسى لم يكن عاصيا0بل كان في نهاية الطاعة0ولاشك ان شخصا جليلا كحضرة موسى هو واسطة الفيض الالهي والمبلغ لشريعة الله لابد وان يكون مطيعا لامر الله 0فهذه النفوس المباركة انما هم كأوراق الشجرة المتحركة بهبوب النسيم لا بارادتها0لان هذه النفوس المباركة منجذبة بنفحات محبة الله0مسلوبة الارادة بالكلية0
فقولهم قول الله وامرهم امر الله ونهيهم نهي الله وهم كهذا الزجاج ضوؤه من السراج ومهما سطع الشعاع من الزجاج بحسب الظاهر فهو في الحقيقة
انما يسطع من السراج0وكذلك حركة انباء الله ومظاهر الظهور وسكونهم بوحي الهي لا عن هوى نفساني0فان لم يكن كهذا كيف يكون ذلك النبي امينا وكيف يكون سفيرا للحق ومبلغا لاوامره ونواهيه0اذا فكل ما جاء في الكتب المقدسة عتابا لمظاهر الظهور هو من هذا القبيل0
الحمد لله انت اتيت الى هنا وتلاقيت بعباد الله فهل وجدت منهم غير رائحة رضا الحق0لا والله0 فقد رأيت بعينيك انهم بالليل والنهار في سعي واجتهاد0وليس لهم من قصد سوى اعلاء كلمة الله وتربية النفوس واصلاح الامم والترقيات الروحانية وترويج الصلح العمومي وحب الخير للنوع الانساني والمحبة لجميع الملل وبذل الروح في خير البشر والانقطاع عن
المنافع الذاتية والخدمة المستمرة لنشر الفضائل بين العالم الانساني ولنرجع الى ما كنا فيه 0مثلا يقول في التوراة في كتاب اشعياء في اصحاح48 اية 12 (اسمع لي يايعقوب واسرائيل الذي دعوته انا هو انا الاول وانا الاخر )ومن المعلوم انه ماكان مراده يعقوب اي اسرائيل بل المقصود بنو اسرائيل0وكذلك يقول في كتاب اشعياء في اصحاح43 في الاية الاولى(والان هكذا يقول الرب خالقك يايعقوب وجابلك يا اسرائيل لا تخف لاني فديتك دعوتك باسمك انت لي )وفضلا عن هذا فانه يقول في سفر الاعداد في التوراة في الاصحاح20 في الاية 23(وكلم الرب موسى وهارون في جبل هور على تخم ارض ادوم قائلا يضم هارون الى قومه لانه لا يدخل الارض التي اعطيت لبني اسرائيل لانكم عصيتم قولي عند ماء مريبة) ويقول في الاية 13(هذا ماء مريبة حيث خاصم بنو اسرائيل الرب فتقدس فيهم)لاحظوا فقد عصى بنو اسرائيل ولكن بحسب الظاهر عوتب موسى وهارون كما يقول في الاصحاح الثالث اية 26 من التوراة في سفر التثنية(ولكن الرب غضب علي بسببكم ولم يسمع لي بل قال لي الرب كفاك لا تعد تكلمني ايضا في هذا الامر)بينما هذا الخطاب والعتاب في الحقيقة موجه لامة اسرائيل التي بعصيانها الامر الالهي تاهت مدة مديدة في الصحراء المجاورة للاردن حتى زمن يوشع عليه السلام0وبينما ان هذا الخطاب والعتاب في الظاهر كان لحضرة موسى وهارون ولكنه في الحقيقة لامة اسرائيل0 وكذلك تفضل في القران بقوله خطابا لحضرة محمد (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)يعني نحن فتحنا لك فتحا واضحا لنغفر لك الذنوب المتقدمة والمتأخرة0ولو ان هذا الخطاب كان بحسب الظاهر لحضرة محمد ولكنه في الحقيقة خطاب لعموم الملة0وهذا محض الحكمة البالغة الالهية كما سبق حتى لا تضطرب القلوب ولا تتكدر0فكثيرا ما اعترف انبياء الله ومظاهر الظهور الكلي في مناجاتهم بالقصور والذنب 0 وهذا من باب التعليم لسائر النفوس والتشويق والحض على الخضوع والخشوع والاعتراف بالذنب
والا فتلك النفوس المقدسة طاهر ة من كل ذنب ومنزة عن كل خطأ فمثلايقول في الانجيل ان شخصا حضر لدى حضرة المسيح فقال ايها المعلم البار فاجابه حضرة المسيح لماذا خاطبتني بالبار لان البار ذات واحدة وهو الله فليس المقصود من هذا ان حضرة الله معاذ الله كان مذنبا بل كان المراد تعليم الخضوع والخشوع والتواضع والانكسار لذلك الشخص المخاطب0 فهذه النفوس المباركة انوار ولا يجتمع النور مع الظلمة0حياة ولا تجتمع الحياة مع الموت ولا تجتمع الهداية مع الضلالة حقيقة الطاعة ولا تجتمع الطاعة مع العصيان وخلاصة القول ان العتاب الوارد في الكتب المقدسة الموجه بحسب الظاهر للانبياء اي المظاهر الالهية انما يقصد به في الحقيقة الامة و1ذا تتبعت الكتب المقدسة تجد ذلك واضحا جليا و(من كتاب-مفاوضات عبد البهاء).


معنى الجن

بخصوص معنى الجن
المراد من الجن في آية القرأن المباركة هم نفوسا تكون ايمانهم وافكارهم مستورة ومخفية ، الجن موجود خفي لذا يتفضل :
" يرونكم من حيث لا ترونهم أي هؤلاء مطلعين على ايمانكم وايقانكم ولكن ايمانهم وايقانهم مخفية عليكم
. الجن من استجن فيه نور الايمان أو نار الطعيان".
( مائدة اسماني ص 34 مجلد2)

"اعلم بأن الله تعالى خلق الانسان من اربع عناصر النار والهواء والماء والتراب وظهر من النار الحرارة ومنها ظهرت الحركة ولما غلب في الانسان طبيعة النار على ساير الطبايع يطلق عليه هذا الاسم وهو في الحقيقة الاولية يطلق على المؤمنين بالله والموقنين بآياته والمجاهدين في سبيله لانهم خلقوا من نار الكلمة الربانية التي تكلم بها لسان العظمة قال وقوله الحق وخلق الجان من مارج من نار وكذلك وصفهم في كتابه المبين بقوله المتين اشداء على الكفار لان في مقام الجهاد مع اهل العناد وتراهم كالبرق اللامع والرمح القامع تعالى من حركهم بتلك النار الموقدة ولما تنظر إلى رحمهم ولطفهم واتباعهم امرالله وتقديسهم عما سواه تسميهم بالملائكة وفي مقام يطلق على الذين يسبقون في الايمان عما دونهم بما يرى منهم سرعة الحركة من النار الموقدة من الكلمة الإلهية لان من قلوبهم ترتفع زفرات المحبة والوداد في بواطنهم تلتهب نيران مودة مالك المبدأ والمعاد.
اذا فاعرف ايها السائل بانا فسرنا لك التفسير الحقيقي في هذا الاسم ولكن فاعلم بانه يطلق على غير المؤمنين مجازا بما يرى منهم من الكبر والاستكبار في امرالله والمحاربة والمجاهدة مع انبياء الله ويدل على هذين التفسيرين ما نزل من جبروت مشية الله رب العالمين في سورة الجن قوله تعالى : قل أوحى إلى انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرأنا عجبا. يهدى إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا احدا.... إلى قوله تعالى وان منا الصالحون ومن دون ذلك كنا طرائق قددا.
فيا ايها العبد المتوجه إلى الله قد نزل في آيات مالك المبدأ والمآل كلما يخطر بالبال فلا تحتاج بالجواب و السؤال ولكن احتياج اهل الوداد هو من تشتت الألواح في البلاد نسئل الله بأن يوفق احبائه على قراءة آياته والواحه ويؤيدهم على عرفانها والاستغناء عما دونها ونسأله تعالى بأن يقدر لك ولاحبائه خير الدنيا والآخره ويسكنكم في ظلال، شجرة عنايته والطافه ويشربكم من معين رحمة وافضاله انهعلى كل شي قدير لا اله الا هو الواحد الفرد العزيز الحكيم."

( مائدة اسماني ص 46 مجلد 2 )

يتفضل حضرة بهاء الله في احد الالواح بقوله الأحلى
" واما ما سألت فيما انزله الرحمن في الفرقان على محمد رسول الله قوله تعالى جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع، ان للملائكة مراتب مختلفة وكذلك مقامات عالية بعضهم فوق بعض، وكذلك بعض منهم منشغلين بتربية العالم الانساني ، والبعض مأمورين بكتابة أقوال واعمال وافعال العباد ، الملائكة الاربعة المعروفة كل واحدة منها عينت لخدمة ما ، كما سمع الكل بذلك ويعرفه، وكذلك الملائكة التي هم في عالم من عوالم الحق ، وبعض الملائكة هم متيمين بتجليات الحق جل جلاله ورزقهم لقاءه وعملهم قربه، ذلك الحزب منشغلين بالمكاشفة والمشاهدة ومسرورين من الاول الذي لا اول له ، لم ولن يتوجهوا بغير الحق ، الى اخر الذي لا اخر له . وحزب اخرمن الملائكة معروفين بالعالين لم يطلع بهم الا الله العليم الخبير، وحزب تصدق عليهم تنزل الملائكة والروح ، وللروح ايضا مراتب مذكورة ومشهوره ، مثلا روح القدس المذكوره في الكتب، ويذكره البعض بجبرئيل ، وكذلك روح الامين وروح الايمان وروح الايقان وروح الامر وروح العظمة وروح القدرة وروح الجمال وروح الجلال وامثال ذلك ، وما تفضل جاعل الملائكة رسلا ، المقصود هو ان الملائكة هم وسائط بين الله وبين اصفيائه واوليائه يبلغون اليهم رسالات ربهم بالوحي او بالالهام أو بالرؤيا ويعلمونهم ما امورا به من لدى الله، بالملائكة نصر الله دينه واظهر امره واتم صنعه واتقن آثاره . وما يتفضل اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع ، المقصود هو ذكر مراتب الملائكة كما قيل سابقا، فهم اصحاب الاجنحة المتعددة المتفاوتة بتفاوت مراتبهم ومقاماتهم ، ينزلون بها ويعرجون ، ولبعضهم اجنحة بعدد الاسماء الالهية، كما ان في ليلة المعراج التقى خاتم الانبياء بجبرئيل وقال : له ستمائة جناح ، وكل حزب يذكر شيئا في هذه المقامات ، ويتخذون سبيلا. ذكر هذا المظلوم اقوال بعض النفوس. الحقيقة كان امره عند الله. فقد ذكروا في كل حكم من الاحكام وامر من الامور ، ما لم يذكر في الملا الاعلى وغير مقبول عند اهل جنة العليا. ولو يذكر المقصود يفرون ويقولون ما قال المشركون من قبل ، قرأوا القرآن اكثر من الف وثلاثمائة سنة ، وكتبوا تفاسير عنه ولكن لعمر الله لم يستشموا عَرف حرفا منه.

ومن حضرة عبدالبهاء في خطاب له قوله العزيز:
اما خلق الجان من مارج من نار فهذا العنصر الناري لا يراه الابصار بل خفي عن الانظار وظاهر من حيث الاثار وحيث ان النفوس المستورة تحت الاستار سواء كان من الابرار ام من الاشرار طينتهم من مارج من نار التي هي عنصر مخفي عن الانظار ، أي امرهم مبهم وحقيقتهم مستورة عن اهل الافاق ، واما خلق الانسان من صلصال كالفخار ، اراد به النفوس المنجذبة بنفحات الله المشتعلة بنار محبة الله باطنهم عين ظاهرهم سرهم عين علانيتهم فهم خلاصة الكائنات، فالصلصال الصافي التراب هو خلاصة الحماء المسنون كثير البركات ينبت رياحين معرفة الله وحديقة اوراد محبة الله واما الملائكة اولو اجنحة مثنى وثلاث ورباع المراد من الاجنحة قوادم التأييد والتوفيق لان بها يتعارج الانسان الى اعلى معارج العرفان ويطير الى بحبوحة جنة الرضوان بسرعة لا يخطر ببال الانسان والمراد من الملائكة الحقائق القدوسية التي استنبأت عن مواهب ربها وتنزهت عن النقائص والرذائل، و تقدست عن كل الشوائب واكتسبت جميع الفضائل واطاعت ربها بجميع الوسائل لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون."
(مائده اسماني ص 71 مجلد 2 )


وقوله العزيز ، اما قضية الاجنة والغول والآل، ان كل ما نزل في الكتب السماوية لها معنى، وكل ما في افواه العوام جميعها اوهام محض ، المراد من الاجنة هم النفوس الخفية التي لا يظهر ولا يشهد ايمانهم و انكارهم "

معنى الشيطان
يتفضل حضرة عبدالبهاء لسيد مهدي گلپايگاني في عشق آباد قوله المتين :
المقصود من الشيطان هو عالم الطبيعة البشرية ، التي تشجع الانسان على رذائل الاخلاق ، من ضمنها المنازعة من اجل البقاء ، الوحشية والاخلاق الفاسدة والفسق والفجور وعدم النخوة ومص الدماء مثل السباع الضارية وهي كلها منبعثة من عالم الطبيعة। أي ان الشيطان عبارة عن القوى الطبيعية التي تسمى في عالم الحقيقة بالنفس الامارة। اذا هذا هو المقصود من عبارة الانجيل بان عالم الطبيعة دل حضرة المسيح على الموافقة، لأنه بسبب هذه القوى الطبيعية تمكّن تمكّنا تاما في عالم الطبيعة ، الجبل الشاهق كان اعلى ذروة لعالم الطبيعة ،و في ذلك المقام تجلت زخارف وشؤون عالم الطبيعة في نظر حضرته، ولكن نورانية حضرته وروحانيته قاوم الطبيعة ورفض هواجس الطبيعة.
سجود الملائكة واستكبار ابليس
من حضرة النقطة الاولى في توقيع له قوله الاعلى: " واما ما سألت من قول الله عز وجل في حكم سجود الملائكة واستكبار ابليس حيث قال جل وعلا استكبرت ام كنت من العالين ، فانظر بعين البدء، فان الله قد خلق في كل شئ ثلاثة آيات من نفسه وهي آية كرامية آل الله وانهم لهم العالون وآية من ملائكته وهي شئون العبودية الحقة ، في كل مقام بحقيقته آية من المهيتة المجتثة لحفظ عوالمه بما قبلت لنفسه من دون امر ولا جبر فخذ معنى الآية من المشية الى منتهى مقام الملك ، وان كل الملائكة قد سجدوا لآدم إلا ابليس ففسق وحده... وان اليوم لو انت بنفسك وحده تقر بهذا الامر ومن على الارض كلهم يعرضون من هذا الامر فهذه تصدق في حقك.... فاعرف الاشارة فانها نزلت عن وراء سبعين الف حجاب."

الملائكة
يتفضل حضرة عبدالبهاء : " اما ما سألت يا ايها المتوجه إلى ساحة البقاء والمقتبس من قبسات شجرة طور السيناء من الملائكة والمراد بهذا الاسم في الايات الإلهية فاعلم بان له معان شتى وفي مقام الخلق يطلق على الذين قدست اذيالهم عن الشهوات ويتبعون رب السموات في كل الصفات وهذا الاسم يطلق على باطنهم ويحكي عن سرهم وحقيقتهم ... وفي مقام الحق يطلق على انبياء الله ورسله كما قال تبارك وتعالى في القرآن الكريم " الحمدلله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع وقد أراد رب العزة من الاجنحة في هذه الاية شئون الايات واقسام البينات التي بعثهم بها وجعلها سبب وصول العباد إلى معدن الرشاد وهداية الخلق إلى جنة الحب والوداد لانها هي السبب الأعظم لترقي العالم والجناح الاقوم لطيران القلوب الصافية إلى جنة الاحدية ومقام قدس الواحدية لذا سميت بالاجنحة في الكتب الإلهية.. واني لو اريد ان افصل في هذا المقام ليطول الكلام ومن يريد ان يطلع ويعرف بالتفصيل فليقرأ آيات الله العزيز الجميل ويتفكر في المقامات التي نزلت هذا الاسم اذا يعرف المراد ويقنع عما ذكر في كتب العباد وفي مقام يطلق هذا الاسم على احكام نزلت من سماء مشيئة الرحمن ويجعلها الله السبب الأعظم لحفظ العالم وقدر بها الموت والحياة وانها هي في مقام اخذ الروح عن المشركين وتسمى عزرائيل وفي مقام حفظ عباد الله عن الآفات تسمى ملائكة حافظات وفي كل مقام تسمى في الايات الإلهية باسم مخصوص ولا يقدر العاقل ان يشك ويضطرب من اختلافات الاسماء التي نزلت في كتب الانبياء.....

العرش
يتفضل حضرة عبدالبهاء جل ثنائه :

" ..فاعلم بان المراد من العرش هو قلب الانسان كما تغرد عندليب البقاء وورقاء العماء قلب المؤمن عرش الرحمن ونطق لسان العظمة في الكلمات المكنونة فؤادك منزلي وروحك منظري طهره لظهوري لانه يقبل تجلي الجمال ويستقر عليه سلطان محبة مالك المبدأ والمآل...

عالم الذر
من حضرة عبدالبهاء قوله العزيز : " عالم الذر هو حقائق وتعينات واستعدادات وقابليات الانسان في مرآة العلم الالهي، وبما ان القابليات والاستعدادات مختلفة ، فكل واحد له اقتضاء ، وهذا الاقتضاء عبارة عن القبول والاستدعاء."

معنى طول عمر القدماء

من حضرة عبدالبهاء قوله الجليل :
" نوحة آدم في سبعين الف سنة ليست عبارة عن السنين المعروفة والاعوام المعدودة بل انها زمن مفروض يستوعب زمانا ممدودا كيوم القيامة كان منصوصا بانه خمسون الف سنة فقضى بدقيقة واحدة كطرفة عين بل اقل من ذلك ، ولكن الامور التي لا تكاد تتم الا في خمسين الف عام قد تمت ووقعت وتحققت في آن واحد وهكذا نوحة نوح كانت كالنياح الذي يمتد في سبعين الف سنة هذا عبارة عن ذلك"

وفي خطاب آخر قوله العزيز : هوالله : يا عبد جمال الابهى ،ان ذكر امتداد حياة السلف هو امر اعتباري وليس بحساب مصطلح هذه الايام ، لان في الازمنة القديمة كانت السنين مختلفة ، البعض كان يحسب الشهر بسنة والبعض دورة الشمس وكذلك دورة كل كوكب من الكواكب السيارة بسنة،مثل السنة القمرية ، السنة الشمسية ، سنة الزهرة وسنة العطارد ، السنة المريخية ، سنة المشتري ، سنة الزحل، وهي عبارة عن مدة دورة هذه الكواكب والا ايام الحياة هي هذه بكل وضوح ، الا ان اجسام القدماء من حيث المعيشة البسيطة كان قوية وبنيتهم شديدة."

"كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه"- (قرآن كريم-آل عمران-آية93).

فى "لوح كل الطعام"-الصادر من يراع حضرة بهاءالله-(المظهر الإلهى للعقيدة والدين البهائى)- تفسير آية "كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه" (قرآن كريم-آل عمران-آية93).يبدو أن الآية القرآنية حول طعام بني إسرائيل قد نزلت ردا على إصرار اليهود بأن أحكام الإسلام بتحريم بعض أنواع الطعام، خلافا لما يدعيه المسلمون، لا تتفق وأحكام اليهودية. وقد شرح حضرة بهاءالله أن لهذه الآية في العوالم الروحانية الإلهية معان لا تحصى ومعظمها فوق إدراك البشر، وأنه قادر على الكشف عن معانيها لسنوات عدة بعلمه الذي أحاط العالمين، وقد فسر حضرة بهاءالله بعضا منها مبيناً المعنى الروحاني للطعام. وهكذا كشف النقاب عن المدى الشاسع لما تتمتع به عوالم الله الروحانية المنزهة عن العد والحد، والمقدسة عن الفهم والإدراك، من عظمة وبهاء وأسرار خفية، وآفاق واسعة.ذكر حضرة بهاءالله في لوحه المبارك("لوح كل الطعام") هذا أربعة من هذه العوالم. وحتى ندرك بعض أسرارها، دعونا نوجه أفكارنا إلى المخلوقات على وجه الأرض. فهناك الممالك المختلفة التي تعيش معا، وكل يسعى إلى تحقيق هدفه. ويمكننا القول بأن الإنسان يعمل في ثلاثة محاور في آن معا. فقياسا بالممالك الأدنى مثل النبات والحيوان فإنه هو المتفوق والمهيمن، بينما في مملكته عليه أن يعيش مع أقرانه في وئام واتحاد، أما بالنسبة إلى المظاهر الإلهية فهو في رتبة أدنى. ففي مثالنا هذا يمكننا ملاحظة ثلاث مراتب من المواهب والصفات التي يمكن للإنسان أن يتبوأها مع الحفاظ على إنسانيته: الوحدة، العبودية، التفوق.وهكذا فإن عوالم الله المذكورة في اللوح المبارك تقع في مراتب متباينة، منها مقام عرش "الهاهوت" وهو "جنة الأحدية" كما وصفه حضرة بهاءالله، وهو أيضا "مقام سر الصمدانية"، و"آنية الأحدانية". وهذا المقام لا تدركه حتى المظاهر الإلهية لسمو قداسته. وقد تفضل حضرة بهاءالله في أحد ألواحه قائلا:"من الأزل الذي لا يعرف، كان الله محتجبا في حقيقة ذاته العليا، وإنه لا يزال مخفياً يكون إلى الأبد في سر جوهره الذي لا يعرف... فقد انصعق عشرات الآلاف من الأنبياء كل كان موسى في سيناء البحث عن صوت الله الناهي (إنك لن تراني) بينما ربوات المرسلين كل كان كالمسيح في عظمته قاموا على عروشهم المقدسة مرتاعين لصوت المنع (إن كينونتي لن تعرفها)."ويلي ذلك عرش "اللاهوت" وهو "مقام جنة الصمدية" و"ساحة القدس". وفي آثار حضرة بهاءالله يبدو أن عالم اللاهوت ربما يكون عالم الله بالنسبة إلى مظاهره وأصفيائه المختارين. وهم في محضره ما ارتأوا لأنفسهم مقاماً لأنهم عدم صرف تلقاء وجهه ولا كينونة إلا كينونته وهم في "مقام هو هو وليس أحد إلا هو".وهناك عالم روحاني آخر وصفه حضرة بهاءالله بـ"طمطام الجبروت"، "جنة الواحدية"، "أرض الصفراء". وهو مقام أنت هو وهو أنت، عباد الذين لا ينطقون إلا بإذن الله ولا يعملون إلا بأمره ولا ينهون إلا بحكمه، كما وصفهم الله بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ويبدو أن هذا العالم هو الملكوت الذي يكون فيه المختارون من خلق الله، بالنسبة إلى المخلوقات، مخولين بسلطته.هناك الكثير من البيانات المباركة يبين فيها حضرة بهاءالله طبيعة المقام المزدوج للمظاهر الإلهية وأصفياء الله. ففي نسبتهم إلى الله تبدو هذه النفوس المقدسة وكأنها عدم صرف، أما بنسبتهم إلى عالم الخلق فهم حائزون على سائر الصفات الإلهية ومقربون من الله. وكما تفضل حضرة بهاءالله في إحدى مناجاته:"كلما أنظر إليك أنادي كل الكائنات وأقول إنني أنا الله، وكلما أنظر إلى نفسي أجدها أحقر من الطين."وفي الآثار الإسلامية نجد مثل هذه البيانات المباركة. فالحديث الشريف التالي عن لسان النبي محمد(صلعم) يدلل بوضوح على المقام المزدوج لرسل الله بقوله: "لنا مع الله حالات نحن فيها هو وهو نحن وهو هو ونحن نحن".وعالم آخر من عوالم الله الروحانية هو "قمقام الملكوت" أي "مملكة الله" الذي أشار إليه الأنبياء السابقون مرارا، كما أن حضرة بهاءالله وصفه في "لوح كل الطعام" بـ"جنة العدل".وبمعزل عن هذه العوالم الروحانية الأربعة، أشار حضرته في هذا اللوح إلى عالم "الناسوت" وهو العالم الفاني الذي وصفه بـ"جنة الفضل". وأكد في العديد من ألواحه أن كلا العالمين: عالم المظاهر الإلهية وعالم الإنسان، ظهر في هذا الوجود بالفضل الإلهي وحده، وإذا ما تبدل لحظة ليجري عدله آل الوجود إلى العدم.وفي "لوح كل الطعام" يصف حضرة بهاءالله معان أخرى لكلمة "طعام" التي وردت في الآية الفرقانية المذكورة. ففي مقام تعني "كل العلوم" وفي آخر "معرفة صاحب الأمر"، كما بيّن أنها في الدورة الإسلامية يمكن أن تفهم على أنها ولاية أئمة الهدى الذين خلفوا النبي عليه السلام. أما في ظهوره الذي لم يكشف عنه بعد، فقد وصف الطعام بـ"بحر الغيب الذي هو المكنون في صحائف النور والمخزون في ألواح المسطور".

المقصود من كلمة الملائكة فى سورة المدثر

معنى الملائكة في الآية الكريمة النازلة في سورة المدثر
{ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا }
أن لفظ الملك واحد الملائكة والملائكة في اللغة العربية توافق لفظًا ومعنى ما في اللغة العبرانية حيث أنها مأخوذة من الأصل السامي الذ منه اشتقت اللغات السريانية والعبرانية والعربية والآشورية والكلدانية وهو يفيد معنى المالكية والاستيلاء على شيء فكما أنه أطلق لفظ الملك والملائكة في الكلمات النبوية المحفوظة في الكتب السماية على النفوس القدسية والأئمة الهداة لخلعهم ثياب البشرية وتخلقهم بالأخلاق الروحانية الملكوتية فملكوا زمام الهداية وصاروا ملوك ممالك الولاية كأهنم أعطوا سلطة مطلقة في سعادة الناس وشقاوتهم وهدايتهم وضلالتهم وهذا هو معنى الولاية المطلقة التي جاءت في الأخبار ولذا سمي سيد الأبرار وأمير الأبراربقيم الجنة والنار كذلك أطلق هذا اللفظ في الكلمات النبوية على رؤساء الأشرار وأئمة الضلال حيث أنهم قادة الفجّار يقودونهم إلى النار ولذا أطلق عليهم لفظ الملائكة كما أنه أطلق عليهم لفظ الأئمة في قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وفي الكتب المقدسة العتيقة أيضًا أطلق لفظ الملاك والملائكة عليهم كما جاء في سفر الرؤية في الإصحاح التاسع بعد إخباره عن ظهور الخلافة الجائرة الأموية والمملكة العضوضية المروانية في الدورة الإسلامية بقوله ( ولها ملاك الهاوية ملكًا عليها اسمه بالعبرانية ابدون وباليونانية ابوليون ) وهذا على حسب الترجمة البروتستانتية * واما على حسب ترجمة اللاتينيين أي الكاثوليك فهكذا ( ولها ملاك وهو ملاك الهاوية اسمه بالعبرانية ابدون وباليونانية ابوليون أي مهلك ) والمقصود هم أئمة الضلال ورؤساء تلك الخلافة الظالمة التي أساءت سياسة الأمة الإسلامية حتى أدت أخرتها إلى الذل والهوان والتهلكة والخسران كما تراه وتعلمه بالمشاهدة والعيان والله تعالى أعلم بما ينتهي إليه عاقبة تلك الأمة الأسيفة والملة الغافلة من غلبة أعداءهم وسوء نية رؤسائهم وجهل أوليائهم وتخاذلهم وخمولهم وغفلتهم وذهولهم مما يبكي العيون ويثير الشجون ويدمي القلوب ويهيج الكروب فلنترك هذا الذكر المحزن والأمر المشجي المشجن ولنرجع إلى ما كنا نتكلم فيه فإن داء هذه الأمة داء أعي كل نبيه وعز دواؤه على كل فطن * وجاء في الآية السابعة من الإصحاح الثاني عشر من هذا السفر أيضًا ( وحدث حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ولم يقودوا فلم يوجد بعد ذلك مكانهم في السماء فطرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله طرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته . )
والمقصود بميخائيل هو مظهر أمر الله وبالملائكة أوليائه وأحبائه كما أن المقصود من التنين العظيم والحية القديمة أو الشيطان وملائكته هم رؤساء الظلم وأئمة الضلال وأتباعهم وأشياعهم لأنه روح الضلالة تجلت وظهرت باسم الخلافة الجائرة والملك المعضوض حيث أن رؤساءها قاوموا المظاهر المقدسة وحاربوا العترة النبوية حتى أودت بالأمة الأسيفة إلى الهلاكة الأبدية والذلة الدائمة * أن الديانات كلها أبواب للدخول في جنة رضاء الله تعالى أو أن تشريعها وظهورها كذلك تصير أبوابًا للدخول في جهنم بسخط الله حين نسخها وتغييرها مثلا كما أن الديانة الموسوية وشريعة التوراة كانت بابا للجنة ودخلت منها نفوس كثيرة في حوزة رضاء الله كذلك عين هذه الديانة صارت بابًا لجهنم في ظهور سيدنا عيسى عليه السلام فدخلت منها نفوس كثيرة في نار سخط الله لان اليهود بسبها أنكروا روح الله وخالفوا أمر الله وكذلك الديانة النصرانية كما أن في أول تشريعها دخلت نفوس كثيرة في النار لان النصارى بسببها أنكروا رسول الله وكذّبوا نبي الله ودخلوا في نار سخط الله وهكذا سائر الأديان في سائر الأديان في سائر الأزمان وكما أن الباب صح إطلاقه على الديانات لانها أبواب دخول الخلق في جنة الرضا كذلك أطلق في الكلمات على الأنبياء وكبار الأنبياء بمناسبة المعنى الذي ذكرناه ولذا جاء في زيارة الجامعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام هذه العبارة ( أنتم باب الله المؤتى والمأخوذ عنه )
وإليه أشير في الآية الكريمة { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه رحمة وظاهره من قبله العذاب } فالمراد بملائكة النار في الآية المباركة هو هذه الرجال من أصحاب الدجال وأئمة الضلال. واما في هذا الدور الحميد والكور المجيد فعدوا أبواب النار ثلاثة وهؤلاء أيضًا ملائكة الجحيم وقادة أصحاب الشمال إلى العذاب الأليم وعلو مقامهم وسمو مراكزهم صار سبب افتتان الجهال وإضلال أصحاب الشمال كما يدلك عليه قوله تعالى
{ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب } وفي كل دور وزمان توجد لكلمات الله تعالى مصاديق يعرفها أهل الإيمان وحملة القرآن ومخازن الحكمة ومطالع البيان حيث أن روحي الهداية والضلالة دائمًا ساريتان في الخلق وينبوع الكفر والإيمان تجريان بين نوع الإنسان في طول الأزمان وليس لظهور الله حد محدود وميعاد مخصوص فإنه جلّت قدرته ناظر دائمًا في قلوب عباده وأفئدة خلقه فإذا رأى فيها استعدادًا للقوب والإقبال يظهر الأمر في الحال فلابد أن تكون مصاديق كلماته موجودة في كل الأزمان وأبواب الجنة مفتوحة في جميع الأحيان * ( أبو الفضل كليايكاني الإيراني )
وذلك في 30 من شهر شوال المكرم سنة 1318

اختلاف المراتب في موجودات عالم الخلق.

يقول حضرة المسيح في الانجيل
(المدعوون كثيرون والمختارون قليلون)
ويقول في القرآن
(يختص برحمته من يشاء)
فما حكمةذلك؟
(الجواب)
اعلم ان نظام الكون وكماله يقتضيان ان يبدو عالم الامكان بصور لا عداد لها فلهذا لم تكن الموجودات في مرتبة واحدة او مقام واحد او نحو واحد ولا جنس واحد او نوع واحد ولا في صورة واحدة بل لابد من تفاوت في المراتب وتمايز في الاصناف وتعدد في الاجناس والانواع يعني من المحتم وجود مراتب الجماد والنبات والحيوان والانسان لان عالم الوجود لا يتم تكوينه وتنظيمه وكماله بالانسان وحده وكذلك لا يمكن ان يظهر العالم بالمنظر البديع والترتيب الدقيق والرونق اللطيف بالحيوان وحده او النبات وحده او الجماد وحده بل لابد من تفاوت المراتب والمقامات والاجناس والانواع حتى يتجلى الوجود في نهاية الكمال مثلا لو ان هذه الشجرة كانت كلها ثمرة لما تم كمالها النباتي لان الاوراق
والاكمام والثمار جميعها لازمة حتى يتجلى النبات في نهاية الزينة والكمال وكذلك انظروا في هيكل الانسان اذ لابد فيه من تفاوت الاعضاء والاجزاء والاركان فجمال الوجود الانساني وكماله يقتضي وجود العين والاذن والمخ حتى الاظافر والشعر فلو كان هيكل الانسان كله مخا او عينا او اذنا لكان ذلك هو عين النقص وكذلك يكون ناقصا لو كان بدون شعر أواهداب أو اظافر أو اسنان0 ولو ان هذه كلها بالنسبة الى العين في حكم الجماد والنبات لعدم الاحساس ولكن عدم وجودها في هيكل الانسان مكروه ومذموم للغاية0ان مراتب الموجودات مختلفة متفاوتة اختار الله سبحانه لبعض الاشياء الرتبة العليا كالانسان ووضع بعضها في الرتبة الوسطى كالنبات وترك بعضها في الرتبة الدنيا كالجماد فتخصيص الانسان بالرتبة العليا انما هو من فضله والتفاوت بين النوع الانساني من حيث الترقيات الروحانية والكمالات الملكوتية انما هو ايضا بارادة حضرة الرحمن لان الايمان الذي هو حياة ابدية من آثار فضل الله لامن نتائج العدل فشعلة نار المحبة انما هي بقوة الانجذاب لا بالسعي والاجتهاد في عالم الماء والتراب بل الذي يحصل بالسعي والاجتهاد هو الاطلاع والعلم وسائر الكمالات اذا فانبعاث الارواح واهتزازها لا يكون الا بانوار الجمال الالهي وقوته الجاذبة لهذا يقول(المدعوون كثيرون والمختارون قليلون) فمثلا الجماد في رتبته الجمادية والنبات في رتبته النباتية والحيوان في رتبته الحيوانية كل مقبول في رتبته بل تلك الرتب هي عين الكمال ولكنها اذا كانت ناقصة في رتبها ولم تبلغ حد الكمال فيها فهي مذمومة وغير مقبولة0
واما التفاوت بين النوع الانساني فهو على قسمين0احدهما التفاوت من حيث المراتب وهذا التفاوت ليس بمذموم والقسم الاخر هو التفاوت من حيث الايمان والايقان وعدمهما وذلك مذموم لان تلك النفس تكون قد ابتليت بهواها وطيشها حتى حرمت من مثل هذه الموهبة ومنعت من قوة جذب محبة الله0
ومع ان الانسان في رتبته ممدوح ومقبول الا انه بحرمانه من كمالات تلك الرتبة يصبح معدن النقائص وعن هذا هو مسئول।

(حضرة عبد البهاء)

ليلة البعث.

شيراز 23 مايو سنة 1844م
المشهد الأول


"حدث المشهد الأول من الفصل الافتتاحي من هذا الحدث العظيم في غرفه علوية من بيت متوسط الحال يسكنه تاجر أقمشة من شيراز ويقع في حي متواضع من أحياء المدينة 00 وكان الوقت قبيل غروب شمس اليوم الثاني والعشرين من شهر أيار 1844 بساعة 00 أما المشتركان فيه فكانا حضرة الباب وهو سيد في الخامسة والعشرين لا تشوب انتسابه إلى العتره الطاهرة شائبة وملا حسين الشاب أول من يؤمن به 0 والظاهر أن لقائهما من قبل ذلك كان وليد الصدفة البحتة أما اللقاء نفسه فقد طال حتى مطلع الفجر حيث بات صاحب البيت منفردا بضيفه في الغرفة العلوية, ولم تكن المدينة النائمة على علم قليل أو كثير بمضمون ما دار بينهما من حديث, ولم ينتقل للأجيال القادمة أى تسجيل لتلك الليلة الفريدة, اللهم إلا تلك الرواية التي صدرت عن شفتي الملا حسين جزئيه مهلهله وان كانت على قسط كبير من التنوير 0 ويحدثنا الملا حسين عن تلك الليلة ولقاءه مع حضرة الباب فيقول " جلست مسحورا بحديثه غافلا عن مضى الوقت وعن أولئك الذين كانوا في انتظاري وفجأة ايقظنى المؤذن من النشوة التي غرقت فيها وكان يؤذن لصلاة الفجر! وفى تلك الليلة يبدو اننى فزت بكل النعم والألطاف التي ذكرها العلى القدير في كتابه ( القران الكريم ) وأعدها لأهل الجنة حتى ظننت اننى كنت في بقعه يقال فيها بحق " لا يمسنا فيها نصب ولا ويمسنا فيها لغوب " " لا يسمعون فيها لغوا, ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " ولقد جافاني النوم في تلك الليلة وغمرتني موسيقى ذلك الصوت الذي كان يعلو حين ينزل آيات " قيوم الأسماء " ويهبط بنغمه حلوه أثيريه إذ يتلوا المناجاة التي ينزلها وعقب كل مناجاة كان يكرر هذه الايه " سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " 0 ويمضى الملا حسين فى روايته فيقول "نزل على هذا الظهور فجأة نزول الصاعقة التي خيل إلى أنها عطلت حواسي وعقلي بعض الوقت 00 لقد اعمانى بهائه وفتنتني عن نفسي قوته الساحقة 00 وتحركت في أعماق روحي مشاعر كثيرة مختلطة من الهيجان والسرور والذهول والعجب وساد كل هذه المشاعر شعور غامر بالسعادة والقوه خيل إلى انه حولني تحويلا0 فكم كنت اشعر بالعجز والخور والجبن والذله من قبل بحيث لم أكن أستطيع أن اكتب أو أمشى فلقد شعرت بقوه وشجاعة خيل إلى معها اننى أستطيع أن أقف وحيدا لا أتزعزع في وجه العالم كله بكل شعوبه وحكامه وبدا لي الكون لا يزيد عن حفنه من التراب في يدي وحسبت اننى صوت جبريل المتجسد يهيب بالناس جميعا أن أفيقوا فان نور الصبح قد لاح 00 انهضوا فان أمره قد ظهر وفتح باب عنايته وفضله فادخلوا يا أهل الأرض لان موعودكم قد جاء 0 " وعندما اكتمل انضمام حروف الحي السبعة عشر فيما بعد " استدعاهم إلى محضره – قبل أن يتفرقوا – وألقى عليهم كلمة الوداع وعهد إلى كل منهم بمهمته الخاصة 00000 وأشار لهم من طرف خفي إلى سر يوم أعظم من يومه يوشك أن يجيء وأمرهم بأن يستعدوا للقاؤه 0000 والى الملا حسين عهد بمهمة أكثر خصوصية وأعظم مضمونا, وأكد أن ميثاقه معه قد ابرم, وأوصاه بان يكون لين الجانب مع من يقابلهم من رجال الدين, وأرشده إلى أن يتوجه إلى طهران, وبأشد العبارات إشراقا لوح بذلك السر المحجوب المودع في تلك المدينة, مؤكدا انه سر يفوق في بهائه النور الذي أشرق من أفق الحجاز وشيراز معا0

ليلة الميلاد الميمون

طهران 23مايو 1844
المشهد الثاني

لم تكن طهران في تلك الليلة بأفضل حالا من مدينة شيراز00 فما كاد الليل أن ينتصف حتى كانت المدينة تغط في سبات عميق وقد أسدل الليل الحالك السواد أستاره الثقيلة فوق شوارعها الملتوية الضيقة فغرقت في ظلام دامس عدا بضع مشاعل بترولية متناثرة هنا أو هناك عند بوابات الحارات أو فوق مداخل بيوت الأغنياء والموسرين بددت بأضوائها المرتعشة بعضا من ذلك الظلام المطبق ولم تعرف المدينة في تلك الليلة أي من الحوادث المؤسفة التي كانت دائمة الوقوع والتكرار كالاعتداءات الدموية أو أعمال السلب والنهب وسرقات منازل الأغنياء بل كانت ليله سأكنه هادئة تمام الهدوء 0
إلا أن أهل بيت واحد في تلك المدينة النائمة قدر لهم أيضا أن يظلوا ساهرين مستيقظين لا يعرف النوم طريقا إلى عيونهم حتى مطلع الفجر0
كان هذا البيت يقع في حي (دروازه شميران) القريب من احد بوابات مدينة طهران والمعروف ببوابة شميران تقطنه أسره كريمه نبيلة هم عائلة المرحوم ميرزا عباس برزك نورى نسبة إلى مقاطعة نور في ولاية مازندران في أقصى شمال إيران حيث كانت منطقة آبائه وأجداده0
" كان البيت يشغل مساحه واسعة من الأرض ويتكون من طابقين يحيط به سور مرتفع من الحجر له بوابه من الخشب السميك تفتح على ممشى عريض طويل بطول المنزل يزين مقدمته عقد على شكل قوس من الطوب الآجر, ويفصل الممشى التي فرشت أرضيته ببلاط مزخرف بين احد جوانب السور والواجهة الرئيسية للمنزل والتي تفضي إلى عدة غرف لاستقبال الضيوف والزوار ثم نجد في نهايته حديقة جميله زرعت بالورود والرياحين وغرست في أرجائها بعض أشجار البرتقال والليمون الحلو يفتح عليها باب أو بابان في الواجهة الخلفية للمنزل لاستعمال أهل البيت والمقيمين
كان البيت أشبه بقصر صغير فرشت غرفه الواسعة برياش ثمين فاخر وزينت جدرانه بزخارف جصيه دقيقة الصنع وعلقت فوق بعضها لوحات من الآيات بديعة التكوين كتبت بخط فارسي جميل كتب بعضا منها ميرزا عباس نفسه "0 (1)
"كان نهار ذلك اليوم مشرقا ودافئا وكانت الحديقة مليئة بالأزهار والورد0 وفى داخل البيت كان الخدم مشغولين في إعداد وليمه, والضيوف جالسين على كراسي مريحة يشربون عصير الليمون ويأكلون ما لذ وطاب من الحلويات 0 كان الجميع محل ترحاب في هذا اليوم0
وأخيرا انتهى اليوم, 00 وأتم أصحاب البيت واجباتهم وبدأوا في الدعاء ليشكروا ربهم على كل الأشياء الجميلة التي حدثت في ذلك اليوم0 ومع أخر خيوط الشمس الغاربة بدأت سيدة البيت النورى الشابة الجميلة آسيا خانم زوجة ميرزا حسين على والتي كان زوجها المحب يلقبها (نواب خانم ) تعانى الآم المخاض والتي بدأت علاماته بعد غروب ذلك اليوم0 فدبت في البيت حركة غير عاديه واضائت الشموع الكبيرة والمشاعل كل أرجاء المنزل وطرقاته0
ظل الجميع فيها ساهرا متيقظا يبتهلون إلى الله بقلوب دافقة بالأمل والرجاء أن يدخل هذا الميلاد السعادة والفرح والسرورعلى قلبي والديه وان يكون اسعد حظا من شقيقيه الذين سبقاه وطالت ساعات المخاض حتى كاد الليل أن ينصرم ويبزغ فجر اليوم الجديد 0
إلا انه ما أن ارتفعت أصوات المؤذنين فوق مآذن المساجد تدعوا إلى صلاة الفجر حتى علت صيحات الطفل الوليد فاختلطت بصيحات التهليل بالفرح والاستبشار في حين سارعت إحدى سيدات البيت تزف البشارة المنتظرة إلى بهاء الله والد الطفل وتهنئه بسلامة الأم ووليدها فأطلق عليه اسم جده الوزير( عباس أقا ) الذي كان يكن له كل محبه وإكبار وإعجاب".

(1) حاشية " هذا الوصف لمنزل حضرة بهاء الله هو وصف تخيلي مقتبس عن مجموعة من الصور الفوتوغرافية لمنزل حضرة بهاء الله في طهران منشورة بكتاب النبيل ص83 وأقرر انه محض خيال ولا يؤخذ على انه وصف من مصدر معتمد "
مشهد الأنوار
على انه يجب أن نسجل هنا مشهدا ثالثا لمشاهد تلك الليلة " ليلة الليالي" خلدته للأجيال السيدة خديجة بيكم حرم حضرة الأعلى0 يضفى على أحداث تلك الليلة عبقا لا يضارع وضوءا ساطعا لن يخبو فتروى في ذكرياتها عن تلك الليلة فتقول:-
" وتتذكر خديجة بيكم بان حضرته ( حضرة الباب ) عاد إلى المنزل أصيل ذات يوم مبكرا على غير عادة واخبر بان أمرا هاما ينتظرة وطلب الإسراع بتهيئة وجبة العشاء 0 فأعدتها فضة ( الخادمة ) على عجل في حجرة والدة السيد على محمد حيث تناولتها الأسرة, وانسحب على الأثر إلى خلوتة ليلا0
وإذا تحدثنا عن وقائع تلك الليلة المشهودة, التي وقعت طبقا لسجل مذكرات عائلة الأفنان قبل إعلان الباب لأمره بقليل, تذكرها خديجة بيكم بكامل تفاصيلها وتروى: " بعد أن آوى أهل الدار جميعا إلى فراشهم وساد الصمت والهدوء المنزل ما يقرب من ساعة, إذ بحضرتة ينهض ويغادر الغرفة دون أن أعير ذلك اهمية0 ولما طال انتظاري بدأ القلق يساورني, فخرجت ابحث عنه في كل مكان دون أن اعثر له على اثر, وظننت انه ربما غادر الدار للعمل الهام الذي اخبرنا به0 ولكنني ارتعت عندما لاحظت الرتاج الداخلي لباب الدار موصدا كالعادة0
فهرعت إلى غرفته في الطابق العلوي, وشد نظري ضؤها الساطع 0 فتسائلت عما قد ألجأه - على غير عادته – في هذا الليل إلى هذه الغرفة التي لا يأوي إليها إلا تكريما لضيف0 ولما لم ينبئنا سلفا كعادته عن مقدم زائر في هذه الليلة, ثارت هواجسي وأخذت اصعد على أطراف أصابعي السلم المؤدى إلى الغرفة الشمالية, التي اخذ نورها يتضاعف في ناظري وعندما بلغت عتبتها رأيته واقفا ويداه مرفوعتان في تبتل وقنوت, مبتهلا مستغرقا في الترنم بالدعاء بصوت ولحن مليح رخيم, والدموع تنساب بغزارة على خديه وتبلل صفحة وجهة الوضاء الذي انبعث عنه نور عجيب بينما طلعته المهيبة تتوسط هالة من البهاء والجلال0 فأخذتني الخشية والرهبة وجمدت في مكاني عاجزة عن التقدم أو التراجع, وارتعدت فرائصي وفقدت التحكم في قواي وكدت اصرخ لولا أن تداركني حضرته وأشار في رفق بيديه المباركتين إلى بالانصراف0 تلك الحركة العطوفة ليديه ردت إلى بعض شجاعتي وتمكنت بكثير من الجهد أن أعود ادراجى والحق بحجرتي وفراشى0
وقضيت ليلتي مسهدة وأنا انتفض اضطرابا وحيرة0 وعندما غالبنى النعاس اخذ هذا المشهد العجيب الرهيب يطارد خيالي ويطرد الكرى عن جفوني 0 وفى لحظات الوعي المتناوبة كنت أتساءل عما سبب له الأسى العميق الذي استدر منه الدموع واستوجب استغراقه في التضرع والابتهال إلى هذا الحد0
" وإذا بعيني وتفكيري يعجزان عن اسعافى بتبرير أو تعليل يهدئ من روعي فيعز على المنام وأغوص في ذهولي فريسة لهواجسي إلى أن لاحت طلائع الفجر وارتفع صوت المؤذن للصلاة0
عند الشروق حملت فضة " السماور " وطاقم الشاي إلى حجرة حماتي, وتوجه حضرتة كالعادة إليها لتناول الشاي, وتبعته وأنا مبهورة مأخوذة0 وما أن وقع بصري على هيكله الجليل حتى عاودني مشهد الليلة الفائتة وتجسم امامى كاملا, فشحبت وهزت الرجفة كل كياني 0
في تلك اللحظة غادرت والدته الحجرة فيما كان حضرتة يتناول الشاي بكل هدوء, فرفع رأسه وتطلع إلى بنظرة ملؤها العطف والحنان ردت إلى هدوئي وسكينتى 0 ثم دعاني للجلوس وناولني ما تبقى من شاي في كأسه, فاحتسيته0 عندئذ سألني عما دهاني, فصارحته بشئ من شجاعة بأن التغيير الكلى الذي ألم به هو علة حيرتي ومصدر قلقي واضطرابي " وهمست انك لم تعد ذلك الشخص الذي عرفته منذ طفولتي, ومع إننا نشأنا معا ومضى عامان على زواجنا ونحن نعيش معا في بيت واحد, إلا اننى أراك وقد تبدلت تماما وصرت فجأة شخصا اخر0 هذا هو سبب اضطرابي وعلة حيرتي " فابتسم واجاب بأنه كان يتمنى أن لا أراه وأشاهده في تلك الصورة والحالة التي رأيت0 غير أن الله قدر غير ذلكثم عقب: " ولكن هكذا شاءت الإرادة والتقدير الالهى, أن تشاهديني بالكيفية التي فعلت في الليلة الماضية حتى لا يراودك أدنى شك من بعد0
وتوقني كل اليقين باني أنا ذلك المظهر الالهى والموعود0المنتظر منذ ألف سنة 0 وهذا النور الذي شاهدت وبهرك سطوعه كان ينبعث من كياني وكينونتي " بمجرد أن نطق بهذه الكلمات صدقت وآمنت فورا ووجدت نفسي ساجدة امامة وقد اطمأن قلبي وهدأ 0 منذ تلك اللحظة وهبت حياتي وأوقاتها لخدمته بكل تفان وخلوص ونسيت نفسي ووجودي وصرت محوا صرفا تلقاءه " 0
ويشهد جناب النبيل بسمو المقام الذي فازت به خديجة بيكم بإيمانها التلقائي الفذ هذا ويقول: " أما حرم حضرة الباب 000 فقد أدركت عظمة وجلال أمره الفريد منذ فجر ظهوره واشراقة, وأحست بجسامة قدرتة منذ اللحظات الأولى لبعثته0 وباستثناء الطاهرة, لم تنافسها وتبلغ مقامها امرأة من جيلها في الاستجابة التلقائية بمثل هذا الخلوص وحرارة الإيمان والعقيدة " وبشر حضرة بهاء الله في لوح الزيارة الذي انزله بعد صعود خديجة بيكم ويخاطبها بهذه العبارات: " أنت التي وجدت عرف قميص الرحمن قبل خلق الامكان وتشرفت بلقائه وفزت بوصاله وشربت رحيق القرب من يد عطائه " 0 (من كتاب خديجة بيكم تأليف حسن م 0 باليوزى )

صدفة الميلاد وليلة البعث
لم تكن ليلة ميلاد حضرة عبد البهاء مجرد حدث سعيد تصادف وقوعه ليلة بعث حضرة الأعلى فهي إن كانت قد حدثت على هذا النحو فهي بلا شك مصادفة سعيدة رائعة " وكيف لا وهو الذي صادف ميلاده الميمون تلك الليلة الخالدة التي بين فيها حضرة الباب طبيعة رسالته الفائقة لملا حسين أول من امن به " (40 بديع 291)
لكنها في الواقع لم تكن كذلك بل كانت تقديرا إلهيا سابقا تنبأ به العديد من الرسل والأنبياء السابقين كما وردت بعضها في التوراة0
"فهو يبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسية وتكون مشورة السلام بينهما كليهما " 0 ( زكريا 6 أية 13, 14 العهد القديم و اشعيا 9, 11 )
" ثم ولد ابنا وما بيده شئ كما خرج من بطن أمه عريانا يرجع ذاهبا كما جاء ولا يأخذ شيئا من تعبه فيذهب به في يده " سفر الجامعة إصحاح 5 إيه 14, 15 )
وفى القران الكريم نبوءات عديدة نجدها في سورة البلد
( لا اقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد )
كذلك تطالعنا في سورة الرحمن عروس القران أيضا
نبؤتان
(فيهما
عينان تجريان)00 (فيهما عينان نضاختان )
(الرحمن 50 - 34
وكان المقصـود بهاتين العـينان هو حضـرة عبد البـهاء عباس.
ويتفضل جناب أديب طاهر زاده في إحدى محاضراته قائلا : -
" أن حضرة بهاء الله عندما طلب الإذن من ساحة القدس الإلهي ليهب الخلق ماء الحياة الالهيه وطلب كشف النقاب عن حور المعاني وفك رحيق الوصال جاء النداء من مصدر الأمر الإلهي بأننا لا نشاهد خلقا لائقا وقابلا لهذا التجلي والإشراق وهنا صدر الأمر بالخلق الجديد والصنع البديع ليكون لائقا وقابلا لهذا التجلي والإشراق فكان هذا الخلق في ليلة المبعث 5 جمادى الأولى 1260 هـ وهى الليلة التي تم الإعلان فيها عن رسالة المبشر بالظهور الأعظم وتزامنت مع مولد حضرة عبد
البهاء 00 أنها الاراده الالهيه المطلقة المعلنة عن بداية الخلق الجديد والقابل لتلقى ماء الحياة الإلهية والقادر على أن يستوعب حور المعاني
ويستنشق رحيق الوصال0
ويضيف السيد كاظم الرشتى في كتابه ( شرح القصيدة ) بعدا جديدا لتلك الليلة فيقول:
( عندما اقترنت الباء ونقطتها ( ب ) بعالم الغيب برمز ( ا ) ظهر( با ) ونتج عن هذا الاقتران رمز العين ( عـ ) اشاره إلى التعين الأول (عـ با) وكان ذلك في سنة الستين ( س ) فظهر عباس الإمام برمز ( ع ) قائما ظاهرا أمام الناس0 (شرح القصيدة كاظم الرشتى)
إلا أن هذا التدبير الالهى الفائق الإمكانيات الذي حدث ليلة23مايو 1844
" شرع يعمل في نفس الليلة الخالدة التي أفضى فيها حضرة الباب

بهدف رسالته إلى الملا حسين في حي متواضع من أحياء مدينة شيراز" ( قرن بديع287 )
حيث يشير حضرة المولى شوقي افندى إلى كتاب قيوم الأسماء أول كتب حضرة الباب في إشارة واضحة ليلقى مزيدا من الضوء الباهر على أحداث تلك الليلة قائلا:
" على أن ضوءا اكبر دلاله يفيض على هذه القصة الخاصة بإعلان رسالة حضرة الباب إذا نحن تصفحنا ( أول وأعظم واكبر ) كتب الدورة البابيه وهو تفسير سورة يوسف الشهير الذي نزل فصله الأول كله على وجه التحقيق من قلم منزله الأعلى في تلك الليلة – ليلة اليالى " (قرن بديع ص17)
فيتفضل حضرة الأعلى بقوله الكريم في كتاب قيوم الأسماء (سورة الظهور)
( إنا نحن قد أنزلناك من منظر العرش في ليلة القدر إلى بطن الأم وانك في ذلك اليوم على العرش قد كنت لله العلى ساجدا وعلى الملك محمودا 000 000 إن هذا لهو اليوم في الفصل وهو اليوم في الجمع الذي قد كان بالحق ميقاتا ) (قيوم الأسماء – سورة الظهور)
وفى كتاب شئون خمسه كان حضرة الباب أول من أطلق لقب ( سر الله) فتفضل حضرته قائلا ( هل تعرفون سر الله أولا تعرفون ذلك هو أول من امن بمن يظهره الله فكيف لا تعرفون ؟ ) (حضرة الباب – كتاب شئون خمسة)
هذا اللقب " الذي شاء والده المحب المعصوم أن ينعم عليه بهذا اللقب العزيز, ألا وهو سر الله " (قرن بديع ص 293) .





الرجعة التي اخبر بها الانبياء

الرجعة التي اخبر بها الانبياء.


(الجواب)
ولنذكر عنوان هذه المسألة من الانجيل فقد صرح فيه انه لما ظهر يحيى بن زكريا وكان يبشر الناس بملكوت الله سألوه0 من أنت؟ هل أنت المسيح الموعود؟ فاجاب

لست بالمسيح ثم سألوه0أأنت إيليا؟ قال0لا0فمن هذا البيان ثبت وتحقق ان حضرة يحيى بن زكريا ليس بايليا المعهود ولكن حضرة المسيح يوم التجلي في جبل الطابور وصرح بان يحيى بن زكريا كان ايليا الموعود ففي الاية11 من الاصحاح9من انجيل مرقس يقول (فسألوه لماذا يقول الكتبة ان ايليا ينبغي ان يأتي اولا فاجاب وقال لهم ان ايليا يأتي اولا ويرد كل شئ وكيف هو مكتوب عن ابن الانسان ان يتألم كثيرا ويرذل لكن اقول لكم ان ايليا ايضا قد اتى وعملوا به كل ما ارادوا كما هو مكتوب عنه)وفي انجيل متى اية13 اصحاح17 يقول( حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان) والحال انهم سألوا يوحنا المعمدان هل انت ايليا؟ قال0لا0على انه في الانجيل يقول(ان يوحنا المعمدان كان نفس ايليا الموعود)ويصرح المسيح ايضا بهذا0حينئذ كان حضرة يوحنا هو حضرة ايليا فلماذا قال انا لست ايليا؟وان لم يكن هو ايليا فكيف يقول حضرة المسيح انه كان ايليا؟
اذا لم يكن النظر الى الشخصية في هذا المقام بل النظر الى حقيقة الكمالات0يعني ان تلك الكمالات التي كانت في حضرة ايليا كانت متحققة بعينها في يوحنا المعمدان0وعلى هذا كان حضرة يوحنا المعمدان هو ايليا الموعود0فليس النظر هنا الى الذات بل الى الصفات0مثلا في العام الماضي كان الورد موجودا وفي هذه السنة ايضا وجد الورد فانا اقول قد رجع ورد العام الماضي والحال اني لا اقصد بذلك رجوع ورد العام الماضي بعينه وشخصيته ولكن لما اتصف هذا الورد بصفات الورد في العام الماضي يعني بمثل رائحته ولطافته ولونه وشكله فلذا يقولون رجع ورد العام الماضي وهذا الورد هو عين ذلك الورد0يأتي الربيع فنقول جاء ايضا ربيع السنة الماضية لان كل ماكان في الربيع الماضي موجود في هذا الربيع ايضا0لذا يقول حضرة المسيح(سترون كل ماوقع في زمن الانبياء السالفين) ولنأت ببيان اخر ان حبة غرست في السنة الماضية فظهر منها غصن وورق واكمام وثمر وفي النهاية اصبحت حبة ايضا فعند ماتزرع هذه الحبة ثانية تنبت شجرة وتعود وترجع تلك الاغصان والاوراق والاكمام والثمر وتظهر تلك الشجرة كاملة وحيث ان الاولى كانت حبة والثانية ايضا حبة فنقول ان الحبة رجعت ولكن حينما ننظر الى مادة الشجرة نجد ان هذه المادة مادة اخرى اما اذا نظرنا الى الاكمام والاوراق والثمر نجد نفس ذلك الطعم والرائحة واللطافة0اذا فقد عاد كمال الشجرة مرة اخرى0وعلى هذا المنوال لو ننظر الى الشخصية نراها شخصية اخرى اما لو ننظر الى الصفات والكمالات نراها عادت ورجعت0لذا قال حضرة المسيح(هذا ايليا) يعني هذا الشخص مظهر الفيوضات والكمالات والاخلاق والصفات والفضائل التي كانت لايليا ويوحنا المعمدان قال انا لست ايليا0فحضرة المسيح كان ناظرا الى الصفات والكمالات والاخلاق والفيوضات في كليهما0ويوحنا كان ناظرا الى شخصيته المادية مثل هذا السراج الموجود فانه كان منيرا ليلة امس ثم انير ايضا هذه الليلة وسينار الليلة الاتية ايضا فنقول ان سراج الليلة هو سراج الليلة البارحة وقد رجع ذلك السراج فالمقصود هو النور لا الدهن والفتيل والمشكاة0وهذه التفاصيل مشروحة ومفصلة في
(كتاب الإيقان)


(تفسير الاية)
انت الصخرة(الكيفا)وعليك ابني كنيستي
(اية18من انجيل متى اصحاح16)
(سؤال)
مذكور في انجيل متى ان المسيح قال لبطرس
انت الصخرة وعليك ابني كنيستي فما معنى هذا؟

(الجواب)
ان هذا البيان من المسيح تصديق لقول بطرس حينما قال له (انت هو المسيح بن الله الحي ) ثم قال حضرة المسيح في جوابه(انت الكيفا) والكيفا في اللغة العبرية هي الصخرة ولذا قال المسيح (وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي) لان بعضهم قال لحضرة المسيح انت ايليا وقال بعضهم انت يوحنا المعمدان وقال بعضهم انت ارميا او احد الانبياء0فاراد حضرة المسيح ان يؤيد بيان بطرس بالكناية او الاشارة ولكونه تسمى بالصخرة قال بهذه المناسبة(انت الصخرة وعليك ابني كنيستي)يعني سيكون اساس دين الله مبنيا على عقيدتك(ان المسيح ابن الله الحي)

وعلى هذه العقيدة سيوضع اساس كنيسة الله التي هي شريعة الله) ووجود قبر بطرس برومية مشكوك فيه وغير مسلم به غير ان البعض يقول انه في انطاكية وفضلا عن هذا فلو نطبق اعمال بعض الباباوات على شريعة حضرة المسيح نجد ان حضرته كان جائعا عريانا يأكل الحشائش في هذه البرية(برية فلسطين) وما رضى بتكدير قلب احد مع ان البابا يجلس في عربة مرصعة ويمضي اوقاته بنهاية العظمة في جميع الملذات والشهوات وحب الذات والنعمة التي لا يتيسر للملوك مثلها على ان المسيح لم يكدر نفسا ولكن بعضا من الباباوات قتلوا نفوسا كثيرة بريئة فارجعوا الى التاريخ لتعلموا كيف كانوا يعارضون الحقيقة وكم سفكوا من الدماء محافظة على سلطتهم الزمانية وكم اضطهدوا وسجنوا وقتلوا الالاف من خدام الانسانية واهل المعرفة الذين كشفوا اسرار الكائنات وذلك فقط لمجرد المخالفة في الراي0 تأملوا في وصايا المسيح وتفحصوا في احوال الباباوات واطوارهم0 فهل تجدون اية مشابهة بين وصايا حضرة المسيح واطوار حكومة الباباوات مع اننا لا نحب ذم النفوس والقدح فيها ولكن تاريخ الفاتيكان مملوء بالعجائب0 والمقصود من هذا ان وصايا المسيح شئ واطوار حكومة البابا شئ اخر وليس بينهما تشابه ما0انظروا كم قتلوا من البروتستانت وكان كله بفتوى البابا وكم اباحوا من الظلم والجور وكم عذبوا واضطهدوا كثيرا من النفوس0 فهل تشتم اية روائح المسيح الطيبة الذكية من هذه الاعمال؟لا والله0 فهؤلاء ما اطاعوا المسيح بل ان بربارة المقدس الذي امامنا صورته قد اطاع المسيح واقتفى اثره واجرى وصاياه0وكان من بين الباباوات نفوس مباركة اتبعوا خطوات حضرة المسيح وعلى الخصوص في القرون المسيحية الاولى التي كانت فيها الاسباب الدنيوية مفقودة والامتحانات الالهية شديدة ولكن لما تيسرت اسباب السلطنة وحصلت العزة والسعادة الدنيوية نسيت حكومة البابا المسيح بالكلية واشتغلت بالسلطنة والعظمة والراحة والنعم الدنيوية وقتلت النفوس وعارضت في نشر المعارف وآذت ارباب الفنون وحالت دون انتشار نور العلم وحكمت بالقتل وشن الغارة وهلك الاف من النفوس من اهل الفنون والمعارف والابرياء في سجن رومية0فكيف مع وجود هذا السلوك وتلك الاعمال يكون البابا خليفة حضرة المسيح فكرسي حكومة البابا كان معارضا للعلم دائما حتى صار من المسلم في اوروبا ان الدين معارض للعلم والعلم مخرب لبنيان الدين والحال ان دين الله مروج للحقيقة ومؤسس للعلم والمعرفة ومشوق للعرفان وهو اس المدنية للنوع الانساني وكاشف لاسرار الكائنات ومنور للافاق فكيف يعارض العلم مع وجود هذا استغفر الله0ولكن العلم لدى الله افضل ميزة للانسان واشرف الكمالات الانسانية فمعارضة العلم جهل وكارة العلوم والفنون ليس بانسان بل هو حيوان لا شعور له0لان العلم نور وحياة وسعادة وكمال وجمال ووسيلة التقرب لدى عتبة الاحدية وشرف العالم الانساني واعظم موهبة الهية فالعلم حقيقة الهداية والجهل عين الضلالة0طوبى للنفوس التي صرفت ايامها في تحصيل العلوم وكشف اسرار الكائنات والتدقيق في الحقيقة وويل للنفوس التي تقتنع بالجهل والغفلة وتنشرح قلوبهم بالتقاليد حتى وقعوا في اسفل دركات الجهل والغفلة واضاعوا اعمارهم ادراج الرياح0 .